حينما يقف الانسان على اعتاب الانتقام .. يستعد بما معه من قوة وسلطه
لالحاق أذى بانسان .. انسان ظلمك يوما ما... آذاك في ليلة لا تنسى.. سعى
الى الحاق ضرر بك .. لست اعني هنا فقط تلك اللحظات الصعبه والمواقف
المؤلمه التي نال الانسان فيها من الاخرين أذى وبلاءا عظيما .. بل اعني
ايضا حتى صغائر الأذى.. حين يرد على بالك موقف صغير او كبير ترى من خلاله
ان فلانا من الناس او تلك الفئه ظلمتك بقول او فعل.. ان فلانا او تلك الفئه
قست عليك والحقت بك ضررا في نفسك او اهلك او مالك.. وانت الان في موقف
القوه.. انت الان في لحظة التمكين.. وربما هم في لحظات الضعف.. وربما باتوا
اقل منك حظا.. وربما لا هذا ولا ذاك.. المهم انك الان ذو شأن... هنا
أسألك... ما انت صانع؟
لا احد منا ينكر جمال القوه.. وبهاء السلطه.. ان تحس وتشعر وتدرك انك تملك
كل شيء لفعل اي شيء .. حين تعلم ان قرارا واحدا ينسف فلانا.. ان اشارة منك
ربما تلغي حياة كريمه لفلان.. ومن هو هذا الفلان؟ انه عدو الامس! انه هو
هو عينه من آذاك.. هو نفسه من أضر بك... وهو هو ذاته من زرع في قلبك الالم
ورسم على خديك الدموع...ربما هو من حرمك شيئا كبيرا او حال دونك ودون شيء
مهم بالنسبه لك هنا أسألك.. وانت الان في نشوة القوة.. وتقدر على ايذاءه..
ما انت صانع؟
حين يملأ الحسد والحقد قلبك لتحمل في نفسك الكره والحقد والبغضاء لفلان من الناس.. كل هذا لاجل انه كان صنع ما صنع بالامس ..
هنا اكرر السؤال مره اخرى .. هل ستظل تحمل عليه كل هذا الحقد والبغضاء مما
يقودك لطرق ابواب الانتقام؟ او في اقل الاحوال ان تملا قلبك بالكراهيه
والضغينه؟
لقد طاف بي الخيال.. وذهبت بي الافكار .. سرت وصرت ابحث عن اجابة شافيه
كافيه لهذا السؤال ..و مما زاد حيرتي .. وبعثر اوراقي لحظة تخيلت نفسي انا
صاحب القرار.. لو كان الشخص ذو القوة وذو السلطه هو انا .. ماذا سأصنع؟
انت ايها الانسان الضعيف الظلوم الجهول الجزوع الهلوع.. انت ايتها النفس
الامارة بالسوء.. هل تختارين العفو؟ ام الانتقام؟ .... ياله من سؤال!
وفجأة.. خطر ببالي امر هزني..ولاح في سماء فكري شيء شدني.. بكل اختصار ..
لقد وجدت الاجابه الشافيه.. اجابه ليس غيرها شفاء لكل سائل.. ليس المهم في
نظري الان هل سأختار هذا ام ذاك.. المهم اني وجدت فلسفة العفو باحلى
صورها.. ووجدت من سيجعلني امقت الانتقام من اعلى رأسي لاخمص قدمي.. من
اللحظة سأعشق العفو.. سأكلف بكل معاني التسامح.. اتدرون منذ متى بت هكذا..
مذ لاحت امام ناظري صورة محمد صلى الله عليه وسلم وانا اشاهد فيها كل ما
تطلبه النفس من اجمل الخلق وابهاه.. كل ما تبغيه الروح من اكمل الوصف
واعلاه .. وقفت مليا اتأمل مدرسة ( اذهبوا فانتم الطلقاء) ويالجمال تلكم
المدرسه.. جلست لحظات احلق في آفاق( لعل الله ان يخرج من اصلابهم )) انه
العفو في اجمل مظاهره.. انه التسامح في ارقى صوره.. العفو عند المقدره.
لن أقرأ بعد اليوم اي كتاب يشرح لي في مئات الصفحات ـ( فلسفة التسامح) ولن
اكلف نفسي مغبة مطالعة كتابات الشرق او الغرب حول فضائل التسامح.. بل ومن
الساعه سأهرب الى محمد صلى الله عليه وسلم لاتعلم منه مباشرة .. واعرف منه
وحده.. ارقى وابهى واجلى واحلى صورة للعفو عرفها بشر.. وانقى صورة للتسامح
... فسبحان القائل ( وانك لعلى خلق عظيم)
وقفت وبكل هدوء امامك.. امامك يا من ظلمتني...امامك يا من قسوت علي
يوما... وقفت امامك يامن كنت سببا في ضياع لحظات جميله من عمري و يا من
سرقت مني حلما كنت انتظره يوما ما.. انا امامك اليوم او حتى لو لم التق بك
وكنت قد حملت عليك في قلبي وأضمرت سوءا لك في نفسي ... لكني اليوم اقف
وانا استحضر شيئا كبيرا .. اتدري ما هو..
انني اقف امامك الان.. وخيالي يرسم ويصور لي سيد الخلق صلى الله عليه
وسلم .. ينتظر ما سأصنع.. او ان شئت قل اني اتصور لو كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم مكاني ترى ماذا كان سيصنع؟ انه النموذج الارقى والاعلى في
الخلق.. لن اختار سواه مهما كلفني.. حبي له يجبرني ان اختار ما يحبه هو..
ان افعل ما كان يفعله مع اعداءه وخصومه .. العفو لديه صلى الله عليه وسلم
نموذج يسبي العقل ويأخذ بمجامع القلب ويسحر النفس..
صدقني يا عدو الامس. ويا صديق اليوم.. اني والله سامحتك من كل قلبي.. وثق
بان قلبي ومن الساعه سيفيض بالحب والدعاء لك .. اذهب .. وامض وانت مرتاح
البال ..
اذا خطر بقلبك شخص كانت بينك وبينه شحناء او خصومه فقل بأعلى صوتك .. سلام
الله يملأ قلبه وروحه.. واذا هممت بالحاق اذى لمسلم اخطا في حقك فقل وبكل
هدوء بل عفا الله عنك.. وغفر لك.. لترى بعد كل هذا انك تسكن فردوسا روحيا
آسرا.. حينها فقط تدرك انه لا توجد قوة في الارض تقد على ان تسلب منك
سلامك الداخلي .. لان السعادة والراحه تنبع من الداخل .. من الاعماق.. وحين
تكون الاعماق مليئة بالحب والخير فانها تنعكس على الخارج.. على سلوك
الانسان وهيئته.. على اطلالته ومنظره.. من الان طهر قلبك من كل بغضاء وحقد
وحسد.. وكن نقيا سليم الصدر .. تنل اجرا وراحة بل وسكينة نفس