ينبغي أن نفرق تماماً بين العبادة والإحسان العبادة لله وحده، والإحسان للوالدين، هناك أناس تختلط عندهم الأوراق ينصرفون إلى طاعة والديهم ولو في معصية الله، وهم يتوهمون أن هذا من البرِّ للوالدين.
ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾
(( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق..))
[حديث شريف أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود عن علي رضي الله عنه]
سيدنا سعد بن أبي وقاص، قالت له أمه: إما أن تكفر بمحمد وإما أن أدع الطعام حتى أموت، فقال: يا أمي لو أن لك مئة نفس فخرجت واحدة واحدة، ما كفرت بمحمد، فكلي إن شئت أو لا تأكلين..
فرق كبير بين العبادة والإحسان، الله جل جلاله رفع أمر الإحسان وجعله إلى جنب الأمر بعبادته، لأن أعظم عمل على الإطلاق بعد عبادة الله أن تحسن لوالديك، ولكن فيما لا يتعارض مع منهج الله، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
أيها الإخوة الكرام: يشتد الأمر ببرِّ الوالدين في حالات خاصة، قال تعالى:
﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ﴾
الأب يقول عندي ولدان، عندي ثلاثة أولاد، لكن يأتي حين من الزمان يصبح الأب عند ابنه، ضعفت قواه، ترك العمل، أصبح عند ابنه، ابنه هو الآمر والناهي، قال تعالى:﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ﴾
إذا كان أحدهما قد بلغ من الكبر عتياً وكان عندك، فهو في أمسِّ الحاجة إلى رعايتك.
الأب الشاب القوي قد لا يحتاج إلى ابنه إطلاقاً، ولكن إذا تقدمت السن وقلَّ العمل، وهُمش الإنسان، الآن الأب والأم في أشد الحاجة إلى الرعاية والعطف، والإكرام.
أعجب أشد العجب، ممن اختصر برَّ الوالدين إلى يوم واحد في العام أعجب أشد العجب، مع أنك مأمور ببرِّ الوالدين وإكرامهما على مدار العالم، ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً في الثلاثمئة والخمسة والستين يوماً أبداً.. كل يوم ينبغي أن تقدم شيئاً لوالديك. أيها الإخوة الكرام: فلسفة ذلك أن الله سبحانه أن الله سبحانه وتعالى منحك نعماً ثلاث هي من أجلِّ النعم، النعمة الأولى نعمة الإيجاد.. قال تعالى:
﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1)﴾