وهذي احدى قصائد المتنبى العظيمة :
لاخــيلَ عنــدَك تُهدِيهـا ولامـال = فَليُسـعِدِ النطـق إن لـم تُسـعِد الحـالُ
واجــز الأمِـير الـذي نعمـاه فاجئَـةٌ = بِغــيرِ قَـولٍ ونُعَمـى النـاسُ أقـوال
فرُبَّمــا جــزَتِ الإِحســانَ موليـهُ = خَـرِيدةٌ مـن عَـذارَى الحـي مكسـالُ
وإن تَكُـنْ محكَمـاتُ الشُـكلِ تمنَعُنـي = ظُهـورَ جَـري فَـلِي فِيهِـنَّ تَصهـالُ
وَمــا شَــكَرتُ لأن المـالَ فَرَّحَـني = سِــيَّانِ عِنــدِيَ إكثــار وإِقــلالُ
لكِــن رأيــتُ قَبِيحـا أنْ يُجـادَ لَنـا = وأننــا بِقضــاءِ الحــقَّ بُخــالُ
فكُـنتُ مَنبِـتَ رَوض الحـزنِ بـاكَرهُ = غَيــث بِغَـيرِ سِـباخِ الأرضِ هَطـالُ
غَيـــث بَيِّــنُ للنُظــارِ مَوقِعُــهُ = أن الغُيُــوث بِمــا تَأتِيِــهِ جُهــالُ
لا يُــدرِكُ المجــدَ إلاسَــيد فطِـنٌ = لِمــاَ يَشــق عـلى السـاداتِ فَعَّـالُ
لا وارِث جَــهِلَت يُمنـاهُ مـا وَهَبَـت= وَلاكَسُــوبٌ بِغــيرِ السـيف سَـأآلُ
قــالَ الزمــان لَــه قَـولاً فأفهمـهُ= إنًّ الزَمــان عــلى الإمسـاكِ عَـذال
تــدري القَنــاة إذا اهـتَزت بِراحتِـهِ= أن الشــقي بِهــا خًــيل وأَبطـالُ
كَفــاتك ودُخــولُ الكــافِ مَنقَصـة= كالشـمسِ قلـت وَمـا لِلشَـمسِ أمثـال
القــائد الأســد عذتهــا بَراثنُــه= بِمِثلِهــا مِــن عـداه وهـي أشـبال
القـاتِلِ السَـيفَ فـي جِسـمِ القَتيـلِ بِهِ= ولِلسّــيُوفِ كَمــا لِلنــاس آجَــالُ
تُغــيِرُ عنـهُ عـلى الغـاراتِ هَيبتُـهُ= وَمالُــهُ بِأقــاصي الأرض أهمَــالُ
لـهُ مـنَ الوَحـشِ مـا اختـارَتْ أسنتهُ= عَــيرٌ وهَيــقٌ وخنســاءٌ وذيـالُ
تُمسِــي الضُيُــوفُ مُشـهَّاةً بِعَقْوَتـهِ= كــأن أوقاتَهـا فـي الطِيـبِ آصـالُ
لَــو اشـتهت لَحْـمَ قارِيهـا لَبادَرَهـا= خَـرادِل منـه فـي الشِّـيزَى وأوصَالُ
لايَعـرِفُ الـرُزْءَ فـي مـالٍ وَلا وَلَدٍ= إلا إذا حَـــفَزَ الضِّيفــانَ تَرْحــالُ
يُــرْوِي نَـدَى الأرضِ مـن فضـل ومن= مَحـض اللّقـاح وَصـافي اللون سلسالُ
تقـري صَوارِمُـهُ السـاعاتِ عَبْـطَ دَمٍ= كأنَّمـــا الســاع نُــزَّالٌ وقُفَّــالُ
تَجــرِي النُفــوس حَوالَيـهِ مُخلَّطـةً= مِنهـــا عُــداةٌ وأغنــامٌ وآبــالُ
لايَحــرِمُ البُعـدُ أهـلَ البُعـدِ نائِلَـهُ= وغَــيرُ عــاجِزَةٍ عنــهُ الأُطيفَـالُ
أمضَـى الفَـرِيقَينِ فـي أقرانِـهِ ظُبَـةً= والبِيــض هادِيــةٌ والسُـمرُ ضُـلالُ
يُــرِيكَ مَخــبَرُهُ أضعـافَ مَنظَـرِهِ= بَيــن الرجــالِ وفيهـا المـاءُ والآلُ
وقــد يُلّقُّبِــهُ المجــنُونَ حاسِــدُه= إذا اخــتَلَطنَ وبَعـضُ العَقـلِ عُقَّـالُ
يَـرمِي بِهـا الجـيَشَ لابُـد لَـه وَلَهـا= مــن شَـقِّهِ ولَـوَ أن الجـيَشَ أجبـالُ
إذا العــدَى نَشِــبَت فيهــم مخَالبـهُ= لــم يَجــتَمِعْ لَهُــمُ حِـلمّ ورئَبـالُ
يَــرُوعُهُمْ منـه دَهْـر صَرفُـهُ أبًـدا= مُجــاهِرٌ وصُــرُوفُ الدَهـرِ تغتـالُ
أنالَــه الشَــرَف الأعــلَى تَقَدُّمُــهُ= فمــا الـذي بِتَـوَقِّي مـا أتَـى نـالُ
إذا المُلــوك تَحَــلَّت كــان حِليَتَـهُ= مُهنَّــدٌ وأصَــمُّ الكَــعبِ عَسَّــالُ
أبُــو شُـجاعٍ أبُـو الشُـجعانِ قاطِبـةً= هَــولٌ نَمَتـهُ مـنَ الهَيجـاءِ أهـوالُ
تَملَّــكَ الحَــمدَ حَـتى مـا لِمفُتَخِـرٍ= فــي الحَـمدِ حـاءٌ ولا مِيـمٌ ولا دالُ
عليــهِ منــهُ سَــرابِيل مُضاعَفـة= وقــد كَفــاهُ مـنَ المـاذِيِّ سِـربالُ
وكَـيفَ أسـتُرُ مـا أولَيـتَ مِـن حسنٍ= وقــد غَمَــرتَ نَـوالاً أيُّهـا النـالُ
لَطَّفـت رَأيَـكَ فـي بِـرّي وتَكـرِمتي= إن الكَــرِيمَ عــلى العَليـاءِ يَحتـالُ
حّــتى غَــدَوت وُللأخبـار تجـوالُ= وللكَــواكِب فــي كــفَيكَ آمــال
وقــد أطــالَ ثنـائِي طـول لابسـه= إن الثَنــاء عــلى التنبــالِ تِنبـالُ
إن كـنت تَكـبرُ أن تخّتـال فـي بَشَـر= فــإن قَــدرَكَ فـي الأقـدارِ يَختـالُ
كــأن نَفســك لاتَرضـاك صاحبَهـا= إِلاوأَنــتَ عـلى الفِضـال مِفضـالُ
ولاتَعـــدكَ صَوَّانـــا لِمُهجَتِهــا= إِلاوأنــتَ لهــا فـي الـرَوع بـذالُ
لــولا المشــقةُ سـادَ النـاسُ كُـلَهم= الجـــودُ يُفقِــر والإقــدامُ قَتَّــالُ
وإنمــا يَبلُــغُ الإنســانُ طاقَتَــهُ= مــاكُــل ماشِـيةٍ بِـالرّحلِ شِـملالُ
إنــا لَفِـي زَمَـنٍ تَـركُ القَبِيـحِ بـهِ= مِـن أكـثَرِ النـاس إِحسـانٌ وإجمـالُ
ذِكـرُ الفَتَـى عُمـرُه الثـاني وحاجَتُـهُ= مــاقاتَــهُ وفُضُـولُ العَيشِ أشـغالُ