أيها الإنسان.. تفاءل
د. عائض القرني
إذا استسلمتَ لليأس، وشعرتَ بالإحباط، واعتقدتَ أنها نهايتك، وأنه لا مخرج لك من الأزمة ولا فرج لك من الشّدة، فقد كتبتَ شهادة وفاتك بيدك، وحكمت على نفسك بالإعدام، وخالفت نصوص الوحي وقانون الحياة؛ كيف يخاف طفل لديه أب، وأعظم منه عبدٌ لديه ربٌّ؟! أكتب هذه المقالة وقبل دقائق يبلغني خبر انتحار شاب في بلادنا، ألقى بنفسه من أعلى جسر.
ولقد لقيتُ شباباً عندنا أخبروني بأنهم يفكِّرون في الانتحار أحياناً! يا سبحان الله، أنسيتم أنا لنا ربًّا رحيماً حليماً غفوراً، تكفّل بنا، وأمرنا بأن نتوكل عليه، وأن نفوِّض الأمر إليه، وأن نرضى بحكمه، وأن نصبر على قضائه وقدره.. يا سبحان الله، هل انتهت الحياة لمجرد أزمة أو مصيبة، والله يقول {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}. لقد كان رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يحب الفأل، ويكره التشاؤم، ودائماً وهو في قمة المعاناة وفي ذروة الأزمة يبشِّر أصحابه بالفتح والنصر والفرج والتمكين والمستقبل المشرق.
لقد حُوصر - صلى الله عليه وسلم - في مكة أشدّ الحصار، ورُمي هو وأصحابه بالأحجار، وأكلوا ورق الشجر من الجوع، فلما أتوه الصحابة يشكون الكرب قال لهم: "والله ليتمن الله هذا الأمر". ويُحاصَر - صلى الله عليه وسلم - في الخندق من الأحزاب، وتتكالب عليه الدنيا، وتضيق الأرض بما رحبت بالصحابة، وتبلغ القلوب الحناجر من شدّة الكرب، ويربط - صلى الله عليه وسلم - حجرَيْن على بطنه من الجوع، ويأتي يحفر الخندق، ثم يقول وكلّه أمل وثقة بربه وتوكل على مولاه تعالى: "أُريت قصور كسرى وقيصر، وسوف يفتحها الله عليّ".
أيها المؤمنون، ارفعوا أبصاركم إلى آفاق الله الواسعة؛ فأنوار فَجْر الفرج قادمة، وغيث الرحمة وشيك، كيف تحزن وأنت تسجد كل يوم عشرات المرات لرب الأرض والسموات؟ كيف تهتم والحيّة العمياء في الجحر المظلم تكفَّل الله برزقها؟
كيف تغتم والنملة الحسيرة الكسيرة قد ضَمن الله قوتها ودبَّر أمرها؟ كيف تحزن والدود في الطّين يثق برعاية رب العالمين؟ كيف تقلق والطائر الصغير الضعيف يغدو طاوي البطن ويعود إلى عشّه شبعان ريّان؟ سيجعل الله بعد عسر يُسراً، حتى الباب المغلق المصمك الذي بلا قفل ولا مفتاح سيفتحه الله، فكيف بباب إنما وُضع ليُفتح بقدرة الفتّاح العليم.
احذر أن تعتقد أنه لا حلّ لأزمتك، وأنك قد فشلت في الحياة، وأنك قد رسبت في مسيرتك، حتى لو أخفقت في الدراسة فيمكن أن الله قدّر لك باباً آخر أعظم وأرفع كما حصل لكثير من العباقرة الذين فشلوا في الدراسة المنهجية، وحتى لو حُرمت الوظيفة فعسى أن ربّك كتب لك طريقاً آخر لطلب رزق أعظم بركة من طريق الوظيفة كما حصل لكثيرٍ من الأثرياء، وحتى لو أُصبت بمرض عضال فيمكن أن سرّ البركة والنجاح والثواب والعاقبة الحميدة لهذا المرض.. {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}.
احذر أن يستولي عليك الإحباط فتصبح صفراً في الحياة، لا وزن لك ولا قيمة. اصبر، وقاوم، وتحمّل، واستمر والله معك، والضربة التي لا تميتك تقوّيك، والعثرة التي تسقطك أحياناً تنعشك أزماناً، والحياة كالسوق، خسارة وربح، وبيع وشراء، وغبن وفائدة، وحلو ومرّ، والحياة تسلّم قيادها للشجعان الصابرين الأقوياء، والله يحب المؤمن القوي الصابر المثابر المجتهد المحتسب، وما جلس على النجوم مَنْ جلس إلا لأنهم صبروا على الجراح والكفاح، وتلقّوا الضربات، وذاقوا الويلات، وخاضوا الأزمات، ثم خرجوا سالمين كما قال تعالى {فانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}