إنسان الحلول وإنسان المشكلات
خذ على عاتقك يوماً ما أن ترى المحيط الإنساني والاجتماعي الذي يطوق حياتك وتتفاعل معه يوماً بفعل طبيعة الحياة والعيش.
لو تأملنا حولنا لوجدنا الناس ينقسمون إلى نوعين: الأول إنسان الحلول وعلى الضفة الأخرى يعيش إنسان المشكلات.
الأول مستقطب للحلول ويركز عليها , صاحب عقلية منظمة ومرتبة
يعرف ما يريد ولا يريد للصراعات والمشكلات والمفاجأة أن تأخذه بعيداً عن مرمى أهدافه.
يتمتع بذكاء منطقي وعاطفي واجتماعي شديد. ويحاول أن يمسك العصى من النصف في جميع علاقاته وممارساته الاجتماعية والعملية والعائلية.
لديه قوة صبر وتماسك وقوة تحمل وصريح في ذات الوقت ويحب الحوار، ولكنه موضوعي ولا يشخصن الأشياء من حوله. يفكر بعملية شديدة وديناميكية مميزة ويضع حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: (الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ).
يعرف متى يتكلم ومتى يصمت. حضوره يعني توازن المعادلة وعودة المياه إلى مجاريها فهو ضابط إيقاع وقائد من الطراز الأول.
يقدر له الناس حلمه وسعة صدره وصبره على حمق بعضهم وبذاءة ألسنتهم واندفاعهم وجهالتهم أحيانا. ويغبطونه لإدارته الواعية والمدركة لصراعات الحياة واختلاف أنماط الشخصيات والعقليات والسمات والبيئات والمجتمعات.
لديه قناعة أنه سيقابل يوماً الجاهل ونصف المتعلم. والحاقد والحاسد والمختل والمعقد. الساذج والبسيط. والمندفع والمترفع. والشخصيات الصعبة التي تملأ الأفق ولكنه لديه لكل مقام مقال ولكل جواب سؤال ولكل حِمل مثقال.
حريص كل الحرص على توازنه ورباطة جأشه وقوة أعصابه وسلامة صدره ويتقن بكل تميز فن الاحتواء مع تمتعه بالقوة والجرأة في الحق والمطالبة بالحقوق والصراحة في المنطق والقدرة على وصف الحال وتفسير الأحوال وإنتاج الحلول وفتح النقاش المتحضر والراقي حول أي فكرة.
يركز دوماً على القواسم المشتركة بينه وبين الآخرين ويقدر الاختلاف الذين يُنتج الإبداع بين البشر، يعتز بقيمه ومنطقه ولكنه لا يجبر الآخرين عليها.
إنسان متعلم ومتطور ومستفيد من كل أخطائه السابقة يتمتع بالمرونة التي جعلته معاصراً والعقلية المفتوحة والتي تجعله متواصلاً مع كل جديد مستوعباً لكل فريد.
لا يعرف الكبر ولا الغطرسة ولا الاستبداد بالرأي ويرفع شعار: الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق الناس بها.
هو مكسب لأي منظمة أو مؤسسة أو عائلة أو وطن يحتويه ورافد من روافد العمل والإنتاج والإبداع والرقي الإنساني والتألق البشري.. إنه باختصار إنسان الحلول.
وعلى العكس من ذلك وفي مسار مختلف تماماً يأتي إنسان مختلف تماما رغم أنه بنفس الخصائص الفسيولوجية للإنسان الأول ولكنه إنسان يثور سريعاً ويغضب طويلاً ويتحسس من كل مختلف حوله.
يعاني أحياناً من ضعف في الثقة في النفس يجعله يعوضه إما بالعنف أو بالقسوة أو بالدكتاتورية كما أنه إنسان مأزوم لا يعرف من الحكمة إلا اسمها.
سهل الاستفزاز وضيق الأفق وأحادي الرأي. لا يحترم الآخرين وإن أعلن ذلك.
تصيبه أحيانا نوبات كبر وأحياناً نوبات حمق وأحياناً نوبات جهالة.
يعتقد أن العالم سوف يخسر كثيراً برحيله وأنه ملهم أو معصوم، غير قادر على قيادة الناس إلى بر الأمان؛ حيث يؤمن كثيراً بالصوت العالي بسبب أنه يفتقد للحجة العميقة والقبول لدى الآخرين.
يدخل في مشكلة ويخرج إلى أخرى ويسقط كل هذه الاضطرابات والمشكلات والصراعات على الآخرين ويبرئ نفسه على الدوام.
البيئة التي تحتويه بيئة قاتمة متوترة مضطربة قاتلة للإبداع والعمل والإنتاج والارتياح والحب والسلام والوئام.
يؤمن دوماً بالإدارة بالأزمات وسلطة اللسان والعناد والمناكفة والجدل ولا يعرف لغة الحوار أو فضيلة الشورى أو نعمة الاختلاف في الآراء ودوماً تجده مؤمناً بنظرية المؤامرة ويعيش فصولها وتفاصيلها.
تحكمه المزاجية أحياناً والتسلط أحيانا ومصالحه الشخصية والأنانية أحياناً.. يقدم (أنا) على (نحن) ويناقض نفسه حيث يطلب من الناس حبه واستيعابه والعمل معهم وهذا صعب جداً فهو منبوذ ونجاحه وإن نجح نجاحاً وقتياً وليس استراتيجياً فسقوطه قادم وفشله ملوح.
إنه إنسان المشكلات أعانه الله على نفسه وأعان من حوله عليه.
* محبرة الحكيم *
الطريق الذي يسير به إنسان الحلول هو عكس الطريق الذي يسير فيه إنسان المشكلات فالأول إلى القمة والآخر إلى الهاوية.