كيف نجعل من الجزائر بلدا أفضل للعيش؟
جزائر يا بلد المعجزات…و ياحجّة الله في الكائنات.
و يا قصّة بثّ فيها الوجود … معاني السّمو بروع الحياة.
و يا صفحة خطّ فيها البقاء … بِنار و نور جهاد الأباة.
هكذا إستهل شاعر الثورة الجزائري المخضرم مفدي زكرياء إلياذته الملحمية الخالدة في حوالي ألف بيت و بيت شعري ليرسّخ معان سامية و نبيلة و جليلة و مضامين عديدة و متنوّعة تنوّع ثقافات و أطياف و روافد المجتمع الجزائري و ليؤكّد في أذهانهم حقائق تاريخية شتّى حول بلدهم و حول ماضيه التليد و أممه المتعاقبة و منجزاتها الحضارية العديدة التي ملأت الدنيا و شغلت الورى.
هنالك قناعة من الواجب ترسيخها و توكيدها لدى الجزائريين عامة و بخاصة لدى النشء الذي قال فيه بن باديس -رحمه الله- يا نشء أنت رجاؤنا و بك الصّباح قد إقترب، و هي أنّ أي نهضة حقيقة لا تتأسّس و لا تقوم من خلال منطلقات تنظيرية بحتة ( على كثرتها)…إنّما جوهرها الحقيقي و الثمين هو المشاركة الفاعلة و النشطة لكلّ مكوّنات الشعب و التي لها بعد ميداني حقيقي بغية إنجاحها…
فهي اللّبنة الأساسية و الجوهرية في بناء شعور كل مواطن بوطنيّته..(لا وطنيتة التي تعرّف بمساندته فريق كرة القدم الوطني )..بل الوطنية العميقة التي تلامس الرّوح وهي نفسها التي تسكن بلا ريب في أعماق نفسيّة كل جزائري الهوى و الإنتماء…
إنّ بعض اللحظات الحاسمة التي مضت في تاريخنا المشترك أثْرت و أكّدت وجود مثل تلك الروح…هي نفس الرّوح التي نفقتدها اليوم بشدّة ليست لأن المنجزات قليلة بل للتراكمات النفسيّة السّلبية التي جنتها الجزائر خلال السنوات الماضية خاصة في العشريّة الحمراء بسبب ربّما الولاءات الخارجية لمن كان من المقدّر له حكم الجزائر أو من كان فعلا في الحكم…
لقد كانت مصالح الكثير منهم الضيّقة خاصّة و كذا رؤية البعض القاصرة للأمور و إنتهازية البعض الآخر سببا في إنتكاسة عظيمة عانى الجمع آثارها و خسرت الجزائر فيها مكانتها التّليدة و لم يسلم من الأزمة أحد فالأطفال فقدوا براءة طفولتهم خلالها و قضى في خضمّها عشرات آلاف ذنبهم الوحيد أنّهم أختيروا وقودا لعملية طويلة لتدمير الجزائر و مقدّراتها و الأهم إستقلاليّة شعبها…
بناء الجزائر الفعلي اليوم لن يتمّ بالميزانيات الضخمة المدججة بالمشاريع الإقتصادية لوحدها ما لم نتخلّص من الهزيمة النّفسية التي لا تزال تلقي بظلالها قاتمة علينا، إنّ الشعور بعزّة النفس، الوحدة الوطنية الحقيقة، لا التي تتحطم عند أول إختبار و يتنكّر لها عند أول منعطف، حبّ الوطن، الدفاع عن المقدّسات و مبادئ ثورتنا المجيدة كلها معان بقدر أهميتها تظل غير مكتملة في شخصيّة الجزائريين و هي التي لا يمكن الإنطلاق إنطلاقة واثقة من دون توفرّها. فكيف يمكننا المساهمة في التّمكين للجزائر و إستعادة مجدها و حقّها التّاريخي في الرّيادة؟