قراءة في كتاب: الإبداعية الشعرية ..التوأمة بين تمنراست والوادي
تباريح النخل
بقلم: بشير خلف
في إطار تشجيع المبدعين الشباب، وفي كنف تدعيم الروابط بين مبدعي ولاية الوادي وغيرهم من ولايات الوطن، وفي ظلال الملتقى الوطني للشعر الفصيح الذي انتظمت فعالياته بمدينة الوادي سنة 2009 أصدرت مديرية الثقافة بالوادي كتابا شعريا بعنوان " تباريح النخل" من الحجم المتوسط في حلّة جميلة جدا سواء من حيث تصميم الغلاف الذي أبدع فيه الفنان التشكيلي المعروف، سواسي محمد البشير، أو من حيث ترتيب المادة الشعرية به.
الجديد في هذا الكتاب الشعري أنه عبارة عن توأمة بين شعراء شباب من الوادي وشعراء شباب من ولاية تمنراست حالّوا بمدينة الوادي مشاركين في الملتقى الوطني الأول للشعر الفصيح الذي رسّمته وزارة الثقافة بالوادي..
مضمون الكتاب
فالكتاب بعد الإهداء، وكلمة الأستاذ حسن مرموري بولاية الوادي، وتصدير الشاعر مصطفى صوالح محمد. يحتضن إبداعات عشرة شعراء خمسة من ولاية الوادي، وخمسة من ولاية تمنراست، كل شاعر تسبق شعره نبذة عن حياته، ومساره العلمي والإبداعي ثم البعض من قصائده.
شعراء ولاية تمنراست: مولود فرتوني،هنية لالة رزيقة، مبروك بالنوي، عبد الله إيمر زاغ، ابن سالم رمضان.
شعراء ولاية الوادي: يوسف بديده، أحمد مكاوي، لزهر محمودي، يوسف الطويل، سليم حمدان.
السيد مدير الثقافة يؤكد في كلمته على أن وظيفة الملتقيات، والتظاهرات الثقافية هي خلْقُ الاحتكاك الثقافي، والإبداعي، والتعارف، والتبادل المثمر للخبرات، ومن وظائف الملتقى الوطني للشعر الفصيح أن يلتقي شعراء الجزائر بكل أطيافهم، وبخاصة الشعراء الشباب، ويكتشفوا بعضهم البعض، يستفيد هذا من ذاك، ويأخذ هذا من ذاك لتتبلور الأفكار وتزدهر، ومن هذه الرؤية جاءت فكرة العمل المشترك بين مبدعين وشعراء في كل من الوادي وتمنراست.
ولئن كانت المسافة الجغرافية تفصل بين الولايتين بمسافة طويلة؛ فإن المسافة الشعورية يقضي على بُعْد المسافة الجغرافية..المسافة الشعورية جمعت شعراء الجزائر في أيكة الشعر والجمال والإبداع، التقوا في مدينة الضيافة، اجتهدوا، وأبدعوا، وتغنّوا بالشعر الفصيح بكل أطيافه، على مائدة اللغة العربية الجميلة التي تظل بدون منازع من أهمّ مقوّمات الهُويّة الوطنية.
وهذا مقطع من قصيدة للشاعر التمنراستي مولود فرتوني عنوانها: ( معذرة أيتها الجميلة)
أقدم اعتذاري …لو بالغت في انبهاري
أقدم اعتذاري
أقدم اعتذاري…عن حماقات رجل
يسكن في أشعاري
عن كل لحظة ألمٍ …سببها انتظاري
أقدم اعتذاري …عن تعجرفي..وعن
برودة الحوار
وهذا الشاعر الظريف، الهادئ، المبدع بخطًى وئيدة ولكن بثقة الشاعر بديدة يوسف من ولاية الوادي في مقطع من قصيد له بعنوان
شكرا…)
هذا الذي أهواه أو يهواني
لا فرق بين المبتدا والثاني
غيْمٌ يهون العمر عند بلوغه
حيث المكان يسير خلف زماني
شكرا لكل حقيقة ضيّعتُها
عند التعطُّف يا غصون البان
شكرا لكل العابرين لِدرْبنا
العمر لحظ والدهور ثواني
هنية لالة رزيقة من ولاية تمنراست في مقطع من قصيد لها بعنوان
غنائية لليل الأخير)
التهبْ يا ليل فينا وانتصرْ
وانحت التاريخ على لوح الحجر
كي يظل النور فينا منتشر
التهب يا ليل فينا واختصر
حاصر المنطق الأرعن الغرّ حتى الضجر
مزق العنبر الآن في ثوب السهر
أعزفْنا لحنًا يناغي رصيف القدر
شاعر آخر معروف بإبداعيته الشعرية، وبتمكّنه في هذا الفن الجميل من ولاية الوادي الشاعر أحمد مكاوي ..نثبت له هنا مقطعا من قصيدة له بعنوان
ما بين ما أهوى وبيني)
وجع ونأي واغتراب
وهوى ذوى فيه الشباب
وجوى يعاند في ضلوعي
مطرا يفجره العتاب
ورؤى تهدهد من أساها
فجرا يشكله السراب
يدنو فيحضنه حنين
يشدو به فيه الغياب
ويصافح النجوى سكون
في مقلتيْه يرى ارتياب
إنها تجربة إبداعية جديدة تأكيدا تكرّرت خللا المهرجان الوطني الثاني للشعر الفصيح في سنة 2010 وستكرر في الملتقى الوطني الثالث خلال السنة القادمة، فالتوثيق أهم دعامة للأعمال الفكرية، وضمانٌ لنقل المعارف، وذخْرً ملموس للأجيال القادمة، وهذا ما يسعى إلى تجسيده القطاع الثقافي بولاية الوادي، وكذا بعض الجمعيات الثقافية النشيطة بهذه الولاية..جهود طيّبة أعطت ثمارها، ومكّنت المشهد الثقافي من أخْذ مكانته.